الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وهو من الماتريديّة.وقال صاحب الجوهرة في الأشعرية مثله، وجميع المسلمين تابعون لهما في العقيدة، إذ قالوا إن ما جاز وقوعه معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة للولي، إذ لا مانع من أن يلهمهم اللّه وقوع بعض الحوادث المستقبلة فيخبرون بها من إطلاع اللّه إياهم لا من أنفسهم، يدل على هذا ما روي عن أبي هريرة أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيمن مضى قبلكم من الأمم أناس محدثون (ملهمون) من غير أن يكونوا أنبياء، وإن يكن من أمتي أحد فإنه عمر بن الخطاب»- أخرجه البخاري- وإنما خصه صلى الله عليه وسلم لنطقه بأشياء نزل بها القرآن وهي معلومة، وسنأتي عليها في محلها إن شاء اللّه في سورة النور ج 3 وغيرها، وروى مسلم عن عائشة مثل هذا الحديث، ومن كراماته رضي اللّه عنه إسماع صوته زمن خلافته من المدينة إلى القادسية حينما قال (يا سارية الجبل) وهي مشهورة أيضا، وكتابته الكتاب إلى النيل وهو من أكبر الكرامات وغيرها كثير، وقصة الخضر مع سيدنا موسى عليهما السلام، وقصة أصحاب الكهف الآتية في الآيات 10 و9 و72 وما بعدها من سورة الكهف، وقصة مريم الآتية في الآية 22 فما بعدها من سورتها، وقصة بلقيس في الآية 80 من سورة النمل الآتية، وهذا القدر كاف على ثبوتها للأولياء عدا إشارات القرآن الأخرى ورموز حضرة الرسول.والفرق بين النبي والولي من هذه الحيثية هو أن المعجزة أمر خارق للعادة مع عدم المعارضة مقرونة بالتحدي، وأن الكرامة أمر خارق للعادة مع المعارضة وعدم التحدّي، لأن الولي إذا ادعى خرق العادة مع التحدي كفر، وقد يظهر على يده أمر خارق للعادة من غير دعواه، وفيها دليل على ثبوت نبوة النبي أيضا التابع له ذلك الولي الذي ظهر على يده أمر خارق، فلو لم تكن نبوته حقا لما ظهر على يد من تابعه أمر خارق للعادة، فخرج بهذا الكاهن والمنجم والمنوم، لأن الأول ليس تابعا لرسول لانسداد باب الكهانة بمبعثه صلى الله عليه وسلم، والمنجم يتبع بإخباره ما يظهر له من حركات النجوم وسيرها وطلوعها وغروبها، والمنوم يتبع بإخباره ما يظهر له من قراءة الأفكار حينا والشعوذة حينا، وإنما خص الولي لتوغله بعبادة ربه وإخلاصه له وقطع نفسه إليه، وهؤلاء ليسوا كذلك فحكمهم حكم الكاهن، فمن ادعى منهم علم الغيب فهو كاذب كافر، وقد سبق لنا بحث واف في هذا الباب في سورة والنجم فراجعه تقنع، وله صلة في تفسير الآيات المشار إليها آنفا وفي الآية 37 من سورة آل عمران.هذا، ولا يوجد سورة بالقرآن مختومة بما ختمت به هذه السورة، واللّه أعلم.وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين. اهـ.
وأصله: (وحى)، فلما انضمت الواو ضما لازما همزت، على قوله تعالى: {وإِذا الرُّسُلُ أُقِّتت}. وقالوا في وجوه: أجوه، وفي ورقة أرقة، وقالوا: أجنة، يريدون: الوجنة. فليس على الهمز، لكنه أراد الموموق، إلا أنه أبدل الواو ألفا، لانفتاح ما قبلها وإن كانت ساكنة، كما قالوا في يوجل: ياجل، وفي يوحل ياحل، وفي يوتعد- في اللغة الحجازية-: ياتعد، وفي يوتزن: ياتزن. فهذا على قلب الواو ألفا لانفتاح ما قبلها، ليس على طريق الهمز.وينبغي أن يحمل على هذا أيضا قوله عليه السلام: «ارجعن مأزورات غير مأجورات» يريد: موزورات، ثم تقلب الواو؛ لما ذكرنا- ألفا. وعلى أنه قد يمكن أن يكون قلب الواو همزة هنا إتباعا لمأجورات.ومن ذلك قراءة عكرمة: {جدّا ربُّنا}.وروى عنه: {جدّا ربُّنا}، وغلط الذي رواه.قال أبو الفتح: أما انتصاب {جدّ} فعلى التمييز، أي: تعالى ربنا جدا، ثم قدم المميز، على قولك: حسن وجها زيد.فأما {جد ربنا} فإنه على إنكار ابن مجاهد صحيح؛ وذلك أنه أراد: وأنه تعالى جد جد ربنا على البدل، ثم حذف الثاني، وأقام المضاف إليه مقامه. وهذا على قوله سبحانه: {إِنّا زيّنّا السّماء الدُّنْيا بِزِينةٍ الْكواكِبِ}، أي: زينة الكواكب، فـ{الكوكب} إذا بدل من {زينة}.فإن قلت: فإن الكواكب قد تسمى زينة، والرب تعالى لا يسمى جدا.قيل: الكواكب في الحقيقة ليست زينة، لكنها ذات الزينة, ألا ترى إلى القراءة بالإضافة وهي قوله: {بِزِينةٍ الْكواكِب}؟ وأنت أيضا تقول: تعالى ربنا، كما تقول: تعالى جد ربنا. فالتعالى مستعمل معهما جميعا، كما يقال: يسرني زيد قيامه، وأنت تقول: يسرني زيد، ويسرني قيامه. وهذا بيان ما أنكره ابن مجاهد.ومن ذلك قراءة الحسن والجحدري ويعقوب وابن أبي بكرة، بخلاف: {أنْ لنْ تقول}.قال أبو الفتح: {كذبا}- في هذه القراءة- منصوب على المصدر من غير حذف الموصوف معه، وذلك أن {تقول} في معنى تكذب، فجرى تبسمت وميض البرق، أي: أنه منصوب بعفل مضمر، ودلت عليه تبسمت، أي: أومضت. فعلى هذا كأنه قال: أن لن يكذب الإنس والجن على الله كذبا.ومن رأى أن ينصب (وميض البرق) بنفس تبسمت؛ لأنه بمعنى أومضت نصب أيضا {كذبا} بنفس {تقول}؛ لأنه بمعنى كذب.وأما من قرأ {أنْ لنْ تقول}، بوزن تقوم فإنه وصف مصدر محذوف، أي: أن لن تقول الإنس والجن على الله قولا كذبا، فكذب هنا وصف لا مصدر، كقوله تعالى: {وجاءُوا على قمِيصِهِ بِدمٍ كذِبٍ}، أي: كاذب. فإن جعلته هنا مصدرا نصبته نصب المفعول به، أي: لن تقول كذبا، كقولك: قلت حقا، وقلت باطلا، وقلت شعرا، وقلت سجعا. ولا يحسن أن تجعله مع {تقول} وصفا، أي: تقولا كذبا؛ لأن التقول لا يكون إلا كذبا، فلا فائدة إذا فيه.ومن ذلك قراءة الأعمش ويحيى: {وأن لوُ اسْتقامُوا}، بضم الواو.قال أبو الفتح: هذا على تشبيه هذه الواو بواو الجماعة، نحو قوله: {اشْتروُا الضّلالة}، كما شبهت تلك أيضا بهذه فقرءوا: {اشْتروُا الضّلالة}، وقد مضى ذلك.ومن ذلك قراءة الجحدري والحسن، بخلاف: {لُبدا}، مشددة.قال أبو الفتح: هذا وصف على فعل: كالجباء، والزمل، واللبد: الكثير يركب بعضه بعضا، حتى يتبلد من كثرته.ابن مجاهد: وروى عن عاصم الجحدري؛: {لبُدا}، بضم اللام والباء.قال أبو الفتح: هذا من الأوصاف التي جاءت على فعل، كرجل طلق، ناقة سرح.ومن ذلك قراءة ما رواه يحيى عن ابن عامر: {أدْرِي أقرِيب}، وهذا لا يجوز.قال أبو الفتح: طريق هذا أنه شبه آخر فعل المتكلم بيائه، كقولك: هذا غلامي وصاحبي، وأنسخ بذلك أن للمتكلم في {أدري} حصة، وهي همزة المضارعة، كما أن له حصة في اللفظ، وهي ياؤه. وعلى كل حال فهذه شبهة السهو فيه، لا علة الصحة له، كما أن ياء مصيبة أشبهت في اللفظ ياء صحيفة، حتى قالوا: مصائب سهوا، كما قالوا صحائف. اهـ.
|